By: Jonathan Masters
The Council on Foreign Relations (CFR)
Last updated October 11, 2022
ترجمة : م. فاطمة رضا عطية
استاذة اللغة الانكليزية كلية العلوم السياسية / جامعة بغداد
يناقش Jonathan Masters اندفاع أوكرانيا نحو الغرب منذ استقلالها )عام (1991والذي قوبل بتوجه روسيا العنيف في بعض الأحيان ، والذي شعرت به اوكرانيا مؤخرًا مع غزو الرئيس فلاديمير بوتين عام 2022. اذ لعبت أوكرانيا منذ فترة طويلة دورًا مهمًا ، ولكن تم تجاهله في بعض الأحيان في نظام الأمن العالمي. واليوم تقف في الخطوط الأمامية في التنافس المتجدد بين القوى العظمى الذي قال عنه العديد من المحللين إنه سيهيمن على العلاقات الدولية في العقود المقبلة.
كان الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 بمثابة تصعيد دراماتيكي للصراع المستمر منذ ثماني سنوات بين البلدين ونقطة تحول تاريخية للأمن الأوروبي. و بعد ستة أشهر ، وصف العديد من محللي الدفاع والسياسة الخارجية الحرب بأنها خطأ استراتيجي فادح من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، وخطأ عرّض حكمه الطويل للخطر. اذ يرى العديد من المراقبين أن هناك احتمال ضئيل للتوصل إلى حل دبلوماسي في الأشهر المقبلة ، وبدلاً من ذلك يعترفون بإمكانية حدوث تصعيد خطير ، والذي قد يشمل استخدام روسيا لسلاح نووي. كما سرعت الحرب من سعي أوكرانيا للانضمام إلى الكتل السياسية الغربية ، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي (EU) ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
تعد أوكرانيا نقطة جيوسياسية ساخنة للاتحاد السوفيتي السابق ، حيث الاخير هو العدو اللدود للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة ، وتعد أوكرانيا أيضا ثاني أكبر عدد من الجمهوريات السوفيتية الخمس عشرة من حيث عدد السكان وقوتها بعد روسيا ، وهي موطنًا للكثير من الإنتاج الزراعي و موطن للصناعات الدفاعية والعسكرية للاتحاد ، بما في ذلك أسطول البحر الأسود وبعض الترسانة النووية. كانت أوكرانيا فعالة للغاية بالنسبة للاتحاد لدرجة أن قرارها بقطع العلاقات في عام 1991 أثبت أنه محاولة انقلاب للقوة العظمى المريضة. خلال ثلاثة عقود من استقلالها ، سعت أوكرانيا إلى شق طريقها الخاص كدولة ذات سيادة في ذات الوقت تتطلع إلى التوافق بشكل أوثق مع المؤسسات الغربية ، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ومع ذلك ، كافحت كييف لتحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية ورأب الانقسامات الداخلية العميقة. شَكل عدد أكبر من السكان القوميين الناطقين بالأوكرانية في الأجزاء الغربية من البلاد بشكل عام اندماجًا أكبر مع أوروبا ، في حين فضل مجتمع يتحدث اللغة الروسية في الشرق إقامة علاقات أوثق مع روسيا. الا انه في عام 2014 أصبحت أوكرانيا ساحة معركة عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وبدأت في تسليح وتحريض الانفصاليين في منطقة دونباس في جنوب شرق البلاد. كان استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تقوم فيها دولة أوروبية بضم أراضي دولة أخرى. قُتل أكثر من 14 ألف شخص في القتال في دونباس بين عامي 2014 و 2021 ، وهو الصراع الأكثر دموية في أوروبا منذ حروب البلقان في التسعينيات. شكلت هذه الأعمال العدائية تحولًا واضحًا في البيئة الأمنية العالمية من فترة أحادية القطب للسيطرة الأمريكية إلى فترة موسومة بالتنافس المتجدد بين القوى العظمى و الذي تمخض عنه غزو روسيا واسع النطاق لأوكرانيا بهدف الإطاحة بحكومة فولوديمير زيلينسكي المتحالفة مع الغرب في فبراير من عام 2022.
عليه يتبادر للذهن سؤال عن ماهية المصالح الروسية في اوكرانيا ؟ و يكون الجواب ان روسيا تتمتع بعلاقات ثقافية واقتصادية وسياسية عميقة مع أوكرانيا ، وتعتبر أوكرانيا من نواح كثيرة مركزا لهوية روسيا ورؤيتها لنفسها في العالم. تمتلك روسيا وأوكرانيا روابط عائلية قوية تعود إلى قرون. اذ يشار إلى كييف ، عاصمة أوكرانيا ، أحيانًا على أنها “أم المدن الروسية” ، على قدم المساواة من حيث التأثير الثقافي مع موسكو وسانت بطرسبرغ . في القرنين الثامن والتاسع , تحديدا في كييف , تم جلب المسيحية من بيزنطة إلى الشعوب السلافية. وكانت المسيحية بمثابة المرساة لروس كييف ، الدولة السلافية المبكرة التي ينحدر منها الروس والأوكرانيون والبيلاروسيون الحديثون. كان ما يقرب من ثمانية ملايين من أصل روسي يعيشون في أوكرانيا اعتبارًا من عام 2001 ، وفقًا لإحصاء أُجري في ذلك العام ، معظمهم في الجنوب والشرق. ادعت موسكو أن من واجبها حماية هؤلاء الأشخاص كذريعة لأفعالها في شبه جزيرة القرم و دونباس في عام 2014. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، اعتبر العديد من السياسيين الروس أن الانفصال من أوكرانيا خطأ تأريخي وتهديد لمكانة روسيا كقوة عظمى. إن خسارة السيطرة الدائمة على أوكرانيا ، والسماح لها بالسقوط في المدار الغربي ، سوف ينظر إليه الكثيرون على أنه ضربة كبيرة لمكانة روسيا الدولية. في عام 2022 ، وصف بوتين الحرب المتصاعدة مع أوكرانيا بأنها جزء من صراع أوسع ضد القوى الغربية التي يقول إنها عازمة على تدمير روسيا. نقل الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف شبه جزيرة القرم من روسيا إلى أوكرانيا في عام 1954 لتقوية “العلاقات الأخوية بين الشعبين الأوكراني والروسي”. ومع ذلك ، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق يتوق العديد من القوميين الروس في كل من روسيا وشبه جزيرة القرم إلى عودة شبه الجزيرة إلى روسيا. حيث ان مدينة سيفاستوبول هي الميناء الرئيسي لأسطول البحر الأسود الروسي : القوة البحرية المهيمنة في المنطقة. و قد كانت روسيا لفترة طويلة الشريك التجاري الأكبر لأوكرانيا ، على الرغم من أن هذا الارتباط تلاشى بشكل كبير في السنوات الأخيرة. تجاوزت الصين في النهاية روسيا في تجارتها مع أوكرانيا. و قبل غزوها لشبه جزيرة القرم ، كانت روسيا الاتحادية تأمل في جذب أوكرانيا إلى سوقها الموحدة ، الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ، الذي يضم اليوم أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان. ومن ناحية الطاقة اعتمدت روسيا الاتحادية على خطوط الأنابيب الأوكرانية لضخ غازها للعملاء في وسط وشرق أوروبا لعقود ، ودفعت كييف مليارات الدولارات سنويًا كرسوم عبور. استمر تدفق الغاز الروسي عبر أوكرانيا في أواخر عام 2022 على الرغم من الأعمال العدائية بين البلدين ، لكن الكميات انخفضت وظل خط الأنابيب في خطر شديد. ومن ناحية النفوذ السياسي كانت روسيا حريصة على الحفاظ على نفوذها السياسي في أوكرانيا وفي جميع أنحاء الاتحاد السوفيتي السابق ، لا سيما بعد أن خسر مرشحها المفضل لمنصب الرئيس الأوكراني في عام 2004 ، فيكتور يانوكوفيتش ، أمام منافس إصلاحي كجزء من الحركة الشعبية للثورة البرتقالية. جاءت هذه الصدمة لمصالح روسيا في أوكرانيا بعد هزيمة انتخابية مماثلة للكرملين في جورجيا في عام 2003 ، عُرفت باسم ثورة الورود ، وأعقبتها ثورة أخرى – ثورة التوليب – في قرغيزستان في عام 2005. أصبح يانوكوفيتش فيما بعد رئيسًا لأوكرانيا ، في 2010 ، وسط استياء الناخبين من الحكومة البرتقالية.
ان علاقات أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي هي التي جلبت التوترات إلى ذروتها مع روسيا في 2013-2014. ففي أواخر عام 2013، و بضغط من مؤيديه في موسكو ،ألغى الرئيس يانوكوفيتش الخطط التي تضفي الطابع الرسمي لعلاقات اقتصادية اقرب مع الاتحاد الأوروبي. كانت روسيا في الوقت نفسه تضغط على أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي لم يتم تشكيله بعد. فاعتبر العديد من الأوكرانيين قرار يانوكوفيتش بمثابة خيانة من قبل حكومة فاسدة وغير كفؤة للغاية ، مما أثار احتجاجات في جميع أنحاء البلاد تعرف باسم (الميدان الأوروبي) او احتجاجات ساحة الاستقلال ضد الرئيس يانوكوفيتش بسبب رضوخه لروسيا. وعندها صوّر بوتين الاضطرابات التي أعقبت ذلك في الميدان الأوروبي ، والتي أجبرت يانوكوفيتش على التنحي عن السلطة ، على أنها “انقلاب فاشي” يدعمه الغرب ويعرض الأغلبية العرقية الروسية في شبه جزيرة القرم للخطر. (رفض القادة الغربيون ذلك باعتباره دعاية لا أساس لها للتذكير بالعهد السوفيتي). و ردًا على ذلك ، أمر الرئيس بوتين بغزو سري لشبه جزيرة القرم برَرها فيما بعد بأنه عملية إنقاذ، فعلى حد قوله “هناك حد لكل شيء” وقال بوتين في خطاب ألقاه في مارس 2014 لإضفاء الطابع الرسمي على الضم “مع أوكرانيا ، تجاوز شركاؤنا الغربيون الخط.”
أستخدم الرئيس بوتين رواية مماثلة لتبرير دعمه للانفصاليين في جنوب شرق أوكرانيا ، وهي منطقة أخرى تعد موطنا لأعداد كبيرة من الروس والمتحدثين باللغة الروسية. اشتهر بالإشارة إلى المنطقة باسم نوفوروسيا (روسيا الجديدة) ، وهو مصطلح يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر للإمبراطورية الروسية. حيث يُعتقد أن المحرضين الروس المسلحين ، بمن فيهم بعض عملاء أجهزة الأمن الروسية، قد لعبوا دورًا مركزيًا في إثارة تمرد الحركات الانفصالية المناهضة للميدان الأوروبي في المنطقة. ومع ذلك، على عكس شبه جزيرة القرم، استمرت روسيا في إنكار تورطها رسميًا في نزاع دونباس حتى شنت غزوها الأوسع لأوكرانيا في عام 2022. يرى بعض المحللين الغربيين أن غزو روسيا عام 2022 كان تتويجًا لاستياء الكرملين المتزايد من توسع الناتو بعد الحرب الباردة في مجال النفوذ السوفييتي السابق. إذ زعم القادة الروس ، بمن فيهم بوتين ، أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي انتهكوا مرارًا تعهداتهم التي قطعوها في أوائل التسعينيات من القرن الماضي بعدم توسيع التحالف ليشمل الكتلة السوفيتية السابقة. فهم ينظرون إلى توسع الناتو خلال هذه الفترة المضطربة لروسيا فرضًا مهينًا لا يمكنهم فعل الكثير سوى مراقبته. في الأسابيع التي سبقت قمة الناتو لعام 2008، حذر الرئيس فلاديمير بوتين الدبلوماسيين الأمريكيين من أن الخطوات الرامية إلى ضم أوكرانيا إلى الحلف “ستكون عملًا عدائيًا تجاه روسيا”. فبعد أشهر، دخلت روسيا في حرب مع جورجيا ، حيث أظهرت على ما يبدو استعداد بوتين لاستخدام القوة لتأمين مصالح بلاده. على الرغم من عدم عضويتها الا ان اوكرانيا طورت علاقاتها مع الناتو في السنوات التي سبقت غزو عام 2022. وأجرت تدريبات عسكرية سنوية مع الحلف، وفي عام 2020، أصبحت واحدة فقط من ستة شركاء لتعزيزالفرص مع الحلف، وهو وضع خاص لأقرب حلفاء الكتلة من غير الأعضاء. علاوة على ذلك ، أكدت كييف هدفها المتمثل في الحصول على العضوية الكاملة في الناتو في نهاية المطاف. في الأسابيع التي سبقت غزو اوكرانيا ، قدمت روسيا العديد من المطالب الأمنية الرئيسية للولايات المتحدة الاميركية وحلف شمال الأطلسي ، بما في ذلك وقف توسيع الحلف ، والسعي للحصول على موافقة روسية على عمليات نشر معينة لحلف شمال الأطلسي ، وإزالة الأسلحة النووية الأمريكية من أوروبا. ورد قادة الحلف بأنهم منفتحون على الدبلوماسية الجديدة لكنهم غير مستعدين لمناقشة إغلاق أبواب الناتو أمام الأعضاء الجدد. صرح توماس جراهام من مجلس العلاقات الخارجية الاميركية لصحيفة Arms Control Today في فبراير 2022 قائلاً: “أثناء وجودنا في الولايات المتحدة نتحدث عن أزمة أوكرانيا ، ومن وجهة النظر الروسية هذه أزمة في هيكل الأمن الأوروبي. والقضية الأساسية التي يريدون التفاوض عليها هي المراجعة للهندسة الأمنية الأوروبية كما هي الآن لصالح شيء أكثر ملاءمة للمصالح الروسية “.
قال خبراء آخرون إنه ربما كان الدافع الأكثر أهمية لبوتين هو خوفه من أن أوكرانيا ستستمر في التطور إلى ديمقراطية حديثة على النمط الغربي من شأنها أن تقوض حتما نظامه السلطوي في روسيا وتبدد آماله في إعادة بناء مجال النفوذ الذي تقوده روسيا في أوروبا الشرقية. فقد وُصفت روسيا في عهد بوتين بأنها قوة انتقامية ، حريصة على استعادة قوتها ومكانتها السابقة. كتب جيرارد تول ، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا ، في كتابه “قريب من الخارج”: “كان هدف بوتين دائمًا إعادة روسيا إلى مكانة القوة العظمى في شمال أوراسيا”. “الهدف النهائي لم يكن إعادة إنشاء الاتحاد السوفيتي ولكن جعل روسيا عظيمة مرة أخرى”. فمن خلال الاستيلاء على شبه جزيرة القرم في عام 2014 ، عززت روسيا سيطرتها على موطئ قدم استراتيجي على البحر الأسود. مع وجود عسكري أكبر وأكثر تعقيدًا هناك ، يمكن لروسيا أن تظهر قوتها في عمق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، حيث كان لها تقليديًا نفوذ محدود. يجادل بعض المحللين بأن القوى الغربية فشلت في فرض تكاليف ذات مغزى على روسيا ردًا على ضمها لشبه جزيرة القرم ، الأمر الذي زاد من استعداد بوتين لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف سياسته الخارجية. كانت المكاسب الاستراتيجية لروسيا في دونباس أكثر هشاشة حتى غزوها في عام 2022. و قد أدى دعم الانفصاليين، مؤقتًا على الأقل، إلى زيادة قدرتها على المساومة في مواجهة أوكرانيا. في يوليو 2021 ، كتب بوتين ما اعتبره العديد من خبراء السياسة الخارجية الغربيين مقالًا ينذر بالسوء يشرح وجهات نظره المثيرة للجدل حول التاريخ المشترك بين روسيا وأوكرانيا. من بين ملاحظات أخرى ، وصف بوتين الروس والأوكرانيين بأنهم “شعب واحد” يشغل فعليًا “نفس المساحة التاريخية والروحية”. خلال ذلك العام ، حشدت روسيا عشرات الآلاف من القوات على طول الحدود مع أوكرانيا ثم في بيلاروسيا الحليفة تحت رعاية التدريبات العسكرية. و في فبراير 2022 ، أمر الرئيس بوتين بغزو واسع النطاق ، اذ عبرت قوة قوامها حوالي مائتي ألف جندي إلى الأراضي الأوكرانية من الجنوب (القرم) ، والشرق (روسيا) ، والشمال (بيلاروسيا) ، في محاولة للاستيلاء على المدن الكبرى ، بما في ذلك العاصمة كييف ، وإقالة الحكومة. قال بوتين إن الأهداف العامة كانت “اجتثاث النازية” و “نزع عسكرة” أوكرانيا. ومع ذلك ، في الأسابيع الأولى من الغزو ، حشدت القوات الأوكرانية مقاومة قوية نجحت في إعاقة الجيش الروسي في العديد من المناطق ، بما في ذلك كييف. يقول العديد من محللي الدفاع إن القوات الروسية عانت من معنويات منخفضة ، وسوء لوجستي ، واستراتيجية عسكرية خاطئة افترضت أن أوكرانيا ستسقط بسرعة وسهولة. في أواخر أغسطس ، شنت أوكرانيا هجومًا مضادًا كبيرًا ضد القوات الروسية ، واستعادت آلاف الأميال المربعة من الأراضي في منطقتي خاركيف وخيرسون. شكلت الحملات انتكاسة مذهلة لروسيا. فوسط الانسحاب الروسي امر بوتين بتعبئة حوالي ثلاثمائة ألف جندي إضافي ، وضم بشكل غير قانوني أربع مناطق أوكرانية أخرى ، وهدد باستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن “وحدة أراضي” روسيا. يرى معظم المحللين الأمنيين فرصة ضئيلة للدبلوماسية في الأشهر المقبلة ، حيث أن لدى الجانبين دوافع قوية لمواصلة القتال.
لقد بدأت أولويات الولايات المتحدة في أوكرانيا بعد الانهيار السوفياتي مباشرة ، حيث كانت أولوية واشنطن هي الضغط على أوكرانيا – إلى جانب بيلاروسيا وكازاخستان – للتخلي عن ترسانتها النووية حتى تحتفظ روسيا فقط بأسلحة الاتحاد السابق. في الوقت نفسه ، سارعت الولايات المتحدة إلى تعزيز الديمقراطية المهزوزة في روسيا. شعر بعض المراقبين البارزين في ذلك الوقت أن الولايات المتحدة كانت سابقة لأوانها في هذه المغازلة مع روسيا ، وأنه كان ينبغي عليها أن تعمل أكثر على تعزيز التعددية الجيوسياسية في بقية الاتحاد السوفيتي السابق. وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق ، زبيغنيو بريجنسكي ، في شؤون خارجية في أوائل عام 1994 ، أوكرانيا السلمية والمستقرة بأنها قوة موازنة حاسمة لروسيا والدعامة الأساسية لما دعا أن يكون الاستراتيجية الكبرى الجديدة للولايات المتحدة بعد الحرب الباردة. وكتب: “لا يمكن التأكيد بقوة على أنه بدون أوكرانيا ، لم تعد روسيا إمبراطورية ، ولكن مع استمالة أوكرانيا ثم إخضاعها ، تصبح روسيا إمبراطورية بشكل تلقائي”. في الأشهر التي أعقبت نشر مقال بريجنسكي ، تعهدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا عبر استفتاء بودابست باحترام استقلال أوكرانيا وسيادتها مقابل أن تصبح دولة غير نووية. بعد عشرين عامًا ، عندما استولت القوات الروسية على شبه جزيرة القرم ، عادت استعادة سيادة أوكرانيا وتعزيزها كأولوية عليا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. بعد غزو عام 2022 ، زاد حلفاء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بشكل كبير من المساعدات الدفاعية والاقتصادية والإنسانية لأوكرانيا ، فضلاً عن تكثيف عقوباتهم على روسيا. ومع ذلك ، كان القادة الغربيون حريصين على تجنب الإجراءات التي يعتقدون أنها ستجر بلدانهم إلى الحرب أو تصعيدها بطريقة أخرى ، مما قد يشكل ، في أقصى الحدود ، تهديدًا نوويًا.
بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الأوروبي في أوكرانيا فقد ظلت الاولى ملتزمة باستعادة وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها. ولا تعترف بمطالب روسيا بشبه جزيرة القرم أو المناطق الأخرى التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني. دعمت الولايات المتحدة تسوية نزاع دونباس عبر اتفاقيات مينسك قبل غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022. اتخذت القوى الغربية وشركاؤها العديد من الخطوات لزيادة المساعدات لأوكرانيا ومعاقبة روسيا على هجومها عام 2022. فمنذ أكتوبر / تشرين الأول ، قدمت الولايات المتحدة لأوكرانيا 17 مليار دولار من المساعدات الأمنية، بما في ذلك أنظمة الصواريخ والصواريخ المتطورة والمروحيات والطائرات بدون طيار الفتاكة في الوقت الذي يقدم العديد من حلفاء الناتو مساعدات أمنية مماثلة. وفي الوقت نفسه ، توسعت العقوبات الدولية المفروضة على روسيا بشكل كبير ، حيث غطت الكثير من قطاعاتها المالية والطاقة والدفاع والتكنولوجيا واستهدفت أصول القلة الأثرياء وغيرهم من الأفراد. كما حظرت الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية أيضًا بعض البنوك الروسية من جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك ، وهو نظام مراسلة مالية يُعرف باسم SWIFT ؛ اضافة الى فرض قيود على قدرة روسيا على الوصول إلى احتياطياتها الأجنبية الهائلة ؛ وأدراج البنك المركزي الروسي في القائمة السوداء. علاوة على ذلك، قامت العديد من الشركات الغربية المؤثرة بإغلاق أو تعليق عملياتها في روسيا. فقد قامت مجموعة الثماني ، المعروفة الآن باسم مجموعة السبع ، بتعليق روسيا من صفوفها إلى أجل غير مسمى في عام 2014. كما كلف الغزو روسيا خط أنابيب نورد ستريم 2 الذي طال انتظاره بعد أن علقت ألمانيا موافقتها التنظيمية في فبراير. عارض العديد من النقاد ، بمن فيهم مسؤولون أمريكيون وأوكرانيون ، خط أنابيب الغاز الطبيعي أثناء تطويره ، زاعمين أنه سيعطي روسيا نفوذًا سياسيًا أكبر على أوكرانيا وسوق الغاز الأوروبية. في أغسطس ، علقت روسيا إلى أجل غير مسمى عمليات نورد ستريم 1 ، التي زودت السوق الأوروبية بما يصل إلى ثلث غازها الطبيعي.
اما بالنسبة الى الشعب الاوكراني فقد أدى العدوان الروسي في السنوات الأخيرة إلى حشد التأييد الشعبي لتوجهات أوكرانيا نحو الغرب. ففي أعقاب حركة الميدان الأوروبي ، انتخبت البلاد رئيسًا هو رجل الأعمال الملياردير بيترو بوروشنكو ، وهو من أشد المؤيدين لتكامل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. و في عام 2019 ، هزم زيلينسكي بوروشنكو في إشارة إلى استياء الجمهور العميق من المؤسسة السياسية ومعركتها المتوقفة ضد الفساد واقتصاد الأوليغارشية. قبل هجوم 2022 ، أشارت استطلاعات الرأي إلى أن الأوكرانيين لديهم وجهات نظر متباينة بشأن عضوية الناتو والاتحاد الأوروبي. اذ أيد أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع (لا يشمل سكان شبه جزيرة القرم والمناطق المتنازع عليها في الشرق) عضوية الاتحاد الأوروبي ، بينما أيد 40 إلى 50٪ الانضمام إلى الناتو.
بعد أيام قليلة من الغزو ، طلب الرئيس الاوكراني زيلينسكي من الاتحاد الأوروبي وضع أوكرانيا على المسار السريع للانضمام إلى العضوية. أصبحت البلاد مرشحًا رسميًا في يونيو ، لكن الخبراء يحذرون من أن عملية العضوية قد تستغرق سنوات. في شهر سبتمبر ، قدم زيلينسكي طلبًا رسميًا لانضمام اوكرانيا إلى الناتو ، دافعًا من أجل عملية قبول سريعة لتلك الكتلة أيضًا فيقول العديد من المحللين الغربيين إنه ، على غرار محاولة أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ، لا يبدو أن عضوية الناتو مرجحة على المدى القريب.